شرح درس النظرية في علم الاجتماع
توجد عدة نظريات في العلم الواحد خاصة في العلوم التي لم يحصل فيها إجماع في الآراء والأفكار المطروحة حول المواضيع أو الظواهر التي نقوم بدراستها. وينطبق هذا القول على العلوم الاجتماعية ومن ضمنها علم الاجتماع. وعليه فإن علم الاجتماع
له نظرياته أو مدارسه أو اتجاهاته التي يفسر بها الظواهر المختلفة التي تقع ضمن مجال تخصصه، كما يحلل الأسباب والظروف التي أدت إليها.
هذه النظريات لم تكن موجودة في الفترة التي سبقت ظهور التفكير العلمي كالتفكير الأسطوري أو اللاهوتي أو الفلسفي المقدمي.
توجد عدة أسس للطريقة العلمية التي تدرس فيها الظواهر المختلفة أبرزها الملاحظة والتجربة وربط حدوث الظواهر بالأسباب المؤدية إليها وتقسيم هذه الأسباب إلى عوامل يطلق عليها مستقلة وهي الأسباب وعوامل أخرى يطلق عليها معتمدة
وهي النتائج والأخيرة هي الظواهر الخاضعة للبحث لأنها تعتمد في وقوعها على العوامل المستقلة أو الأسباب.
ولا يمكن حدوث النتائج قبل وقوع الأسباب التي أدت إليها. ومع ذلك فإن الظاهرة الواحدة لا يمكن أن تفسر بسبب واحد. وهي أكثر تعقيدا من ذلك وتشترك في وقوع
الظاهرة أو الحدث، أيا كان، عدة عوامل أو متغيرات مستقلة وخاصة في المجتمع
المعقد الحديث أو المعاصر، هذه العوامل المعتمدة والمستقلة تتبادل التأثير والتأثر
حسب الظروف الزمانية والمكانية.
لا بد من إلقاء نظرة موجزة إلى طبيعة التفكير الذي كان سائدا قبل ظهور المنهج
العلمي الذي يرتبط به بدرجة كبيرة ظهور النظريات ولو أن الأفكار التي سبقت ظهور التفكير العلمي كان لها دور مهم في بروزه. وسنشرح هذه الأنواع المختلفة من التفكير بصورة موجزة.
1- التفكير البدائي البسيط
التفكير في البداية كان بسيطا إي في مرحلة ظهور الإنسان القديم ويعتمد بدرجة
كبيرة على تجارب الإنسان والظروف وبخاصة الطبيعية التي يمر بها. وكان من
الصعوبة عليه أن يميز بين الأشياء الحية والأشياء الجامدة. وكانت الظواهر التي تحدث
في الحياة، كالموت على سبيل المثال، تفسر بأن يتم إرجاعها لقوى مجهولة أو غيبية وبعد ذلك إلى ظواهر الطبيعة.
وإذا رجعنا إلى الإنسان عند ظهوره على وجه الأرض وفي فترة لاحقة وعندما أصبح
يخاف من قوى الطبيعة كان ينسب إليها ما يجري في الحياة. وقد حاول استرضاءها
وقام بتقدمي القرابين.
ويظهر أن مرحلة الصيد والزراعة البدائية الأولى ربما أدت إلى عبادة الحيوان أو
النبات أو الإثنين معا. وهكذا نلاحظ أن الإنسان في البداية عبد النجوم والكواكب
وأصبح كل منها يمثل إلها يحاول أن يتقرب إليه ويكسب رضاه. وبعد ذلك ساد الإيمان
بأنه توجد قوى ليست داخل الطبيعة وإنما تقع خارجها هي المسؤولة عن كل ما
يحدث للإنسان.
2- التفكير الديني
وفي مرحلة التفسير الديني التي تقوم على أساس الدين الموحى به من الله
- سبحانه وتعالى- ظهر الإيمان بإله واحد هو الله- سبحانه وتعالى- الذي أوجد الطبيعة
والإنسان. على سبيل المثال كان العرب قبل الإسلام يعبدون الأوثان والأصنام ويتخذونها آلهة لهم قبل ظهور النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- وظهور الآلة الواحد كان في الديانات الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام. إن التفكير العلمي جاء متأخرا في تفسير ظواهر الكون والمجتمع.
ولكن هذا القول لا يعني أن المراحل التي تم استعراضها وجدت بهذه الصورة في كل المجتمعات لأن التفكير الأسطوري والإيمان بالخرافات لا يزال قائما في بعض المجتمعات فتوجد على سبيل المثال فئة من الناس الذين لإيرون أن عمل الطبيب هو الذي يؤدي إلى شفاء المريض، وإنما يؤمنون بوسائل وأساليب أخرى متعددة يرون أنها تؤدي إلى شفاء المرضى.
3- التفكير العلمي
وفي مرحلة التفكير العلمي يخضع كل شيء إلى التجربة والملاحظة وغيرها من الوسائل للتثبت من أسباب حدوثها على أساس واقعي ولا علاقة له بالتأمل أو الغيب أو السحر أو الشعوذة.
في هذه الأجواء تبلورت النظريات في العلوم المختلفة بدءا بالعلوم الطبيعية. فإن
التفكير العلمي لم يظهر إلا بعد فترة طويلة من تراكم الخبرات والمعلومات السابقة له
والتي تؤدي دورا مهما في التمهيد لظهوره.
والنظرية تتكون من عدد من المفاهيم والفرضيات التي تم التأكد من صدقها أو
صحتها بالطريقة العلمية، والأسس التي تعتمد عليها والمناهج والطرق العلمية التي
تتبعها.
شروط النظرية العلمية
أن أبرز الشروط التي يجب أن تتوفر في النظرية العلمية يمكن إيجازها بالجوانب
الآتية:
1- المفاهيم والأفكار والآراء التي تقوم عليها النظرية يجب أن تكون مترابطة ومتكاملة وخالية من التناقض.
2- وضوح الأفكار والآراء التي تطرحها النظرية وقدرتها على تفسير الظواهر التي
تهتم بدراستها وتحليلها.
3- أن تكون النظرية منبثقة من الواقع الاجتماعي ولا تعتمد على أفكار
الهوتية أو فلسفية لا مسكن التأكد من صدقها أو صحتها بوساطة الوسائل العلمية التجريبية.
4- النظريات ينبغي أن تكون نسبية وليست مطلقة أي أنها قابلة للتعديل أو التبديل كلا أو جزءا نظرا لتغير الظروف والأحوال في المجتمعات المختلفة.
5- تتبلور النظرية بعد فترة زمنية قد تطول أو تقصر وينبغي التوصل إلى نتائج
متطابقة أو متشابهة إذا تكرر تطبيقها في أماكن ومجتمعات متعددة.